سورة الأعراف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ} يعني: المطر من السماء والنبات من الأرض. وأصل البركة: المواظبة على الشيء، أي: تابعنا عليهم المطر والنبات ورفعنا عنهم القحط والجدب، {وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} من الأعمال الخبيثة.
{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} الذين كفروا وكذبوا، يعني: أهل مكة وما حولها، {أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا} عذابنا، {بَيَاتًا} ليلا {وَهُمْ نَائِمُونَ}.
{أَوَأَمِنَ} قرأ أهل الحجاز والشام: {أوْ أمن} بسكون الواو، والباقون بفتحها، {أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى} أي: نهارا، والضحى: صدر النهار، ووقت انبساط الشمس، {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} ساهون لاهون.
{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} ومكر الله استدراجه إياهم بما أنعم عليهم في دنياهم. وقال عطية: يعني أخذه وعذابه.
{أَوَلَمْ يَهْدِ} قرأ قتادة ويعقوب: {نهد} بالنون على التعظيم، والباقون بالياء على التفريدُ يعني أوَلم نبين، {لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ} هلاك {أَهْلِهَا} الذين كانوا فيها قبلهم {أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ} أي: أخذناهم وعاقبناهم، {بِذُنُوبِهِمْ} كما عاقبنا من قبلهم، {وَنَطْبَعُ} نختم {عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} الإيمان ولا يقبلون الموعظة، قال الزجاج: قوله: {وَنَطْبَعُ عَلَى} منقطع عما قبله لأن قوله: {أَصَبْنَاهُمْ} ماض و{نطبع} مستقبل.


{تِلْكَ الْقُرَى} أي: هذه القرى التي ذكرت لك أمرها وأمر أهلها، يعني: قرى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب، {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا} أخبارها لما فيها من الاعتبار، {وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} بالآيات والمعجزات والعجائب، {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ} أي: فما كانوا ليؤمنوا بعد رؤية المعجزات والعجائب بما كذبوا من قبل رؤيتهم تلك العجائب، نظيره قوله عز وجل: {قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين} [المائدة- 102].
قال ابن عباس والسدي: يعني فما كان هؤلاء الكفار الذين أهلكناهم ليؤمنوا عند إرسال الرسل بما كذبوا من قبل يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر آدم، فأقروا باللسان وأضمروا التكذيب. وقال مجاهد: معناه فما كانوا لو أحييناهم بعد إهلاكهم ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل هلاكهم، لقوله عز وجل: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} [الأنعام- 28].
قال يمان بن رباب: هذا على معنى أن كل نبي أنذر قومه بالعذاب فكذبوه، يقول: ما كانوا ليؤمنوا بما كذب به أوائلهم من الأمم الخالية، بل كذبوا بما كذب أوائلهم، نظيره قوله عز وجل: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون} [الذاريات- 52]. {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ} أي: كما طبع الله على قلوب الأمم الخالية التي أهلكها، كذلك يطبع الله على قلوب الكفار الذين كتب عليهم أن لا يؤمنوا من قومك.
{وَمَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} أي: وفاء بالعهد الذي عاهدهم يوم الميثاق، حين أخرجهم من صلب آدم {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} أي: ما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين ناقضين للعهد.


قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ} أي: من بعد نوح وهود وصالح وشعيب، {مُوسَى بِآيَاتِنَا} بأدلتنا، {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا} فجحدوا بها، والظلم: وضع الشيء في غير موضعه، فظلمهم وضع الكفر موضع الإيمان، {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} وكيف فعلنا بهم.
{وَقَالَ مُوسَى} لما دخل على فرعون، {يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} إليك، فقال فرعون: كذبت فقال موسى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ} أي: أنا خليق بأن لا أقول على الله إلا الحق، فتكون {على} بمعنى الباء كما يقال: رميت بالقوس ورميت على القوس، وجئت على حال حسنة وبحال حسنة، يدل عليه قراءة أبيّ والأعمش {حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق} وقال أبو عبيدة: معناه حريص على أن لا أقول على الله إلا الحق، وقرأ نافع {عَلَيَّ} بتشديد الياء أي حق واجب علي أن لا أقول على الله إلا الحق. {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} يعني العصا، {فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: أطلق عنهم وخلّهم يرجعون إلى الأرض المقدسة، وكان فرعون قد استخدمهم في الأعمال الشاقة من ضرب اللبن ونقل التراب ونحوهما.
فقال فرعون مجيبا لموسى: {قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
{فَأَلْقَى} موسى {عَصَاهُ} من يده {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} والثعبان: الذكر العظيم من الحيات، فإن قيل: أليس قال في موضع: {كأنها جان} [النمل- 10]، والجان الحية الصغيرة؟ قيل: إنها كانت كالجان في الحركة والخفة، وهي في جثتها حية عظيمة.
قال ابن عباس والسدي: إنه لما ألقى العصا صارت حية عظيمة صفراء شعراء فاغرة فاها ما بين لحييها ثمانون ذراعا وارتفعت من الأرض بقدر ميل، وقامت له على ذنبها واضعة لحيها الأسفل في الأرض والأعلى على سور القصر، وتوجهت نحو فرعون لتأخذه، وروي أنها أخذت قبة فرعون بين نابيها فوثب فرعون من سريره هاربا وأحدث.
قيل: أخذه البطن في ذلك اليوم أربعمائة مرة، وحملت على الناس فانهزموا وصاحوا ومات منهم خمسة وعشرون ألفا قتل بعضهم بعضا ودخل فرعون البيت وصاح يا موسى أنشدك بالذي أرسلك خذها وأنا أؤمن بك وأرسل معك بني إسرائيل، فأخذها موسى فعادت عصا كما كانت ثم قال فرعون: هل معك آية أخرى؟ قال: نعم.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14